Friday, June 20, 2014

سلسلة لماذا الهجوم على الشيرازي ؟ (٢-١٠)

لماذا الهجوم على الشيرازي؟ (٢-١٠)


تعرضنا في المقال السابق لجملة من التكتيكات التي يتحرك الشيخ حسن الصفار في إطارها الخاص وغير المعلن، ونترك جملة أخرى نستعرضها مستقبلاً إن شاء الله.

عمل الشيخ الصفار على تهيئة كوادر وأقلام إعلامية تتموج بأفكاره في المجتمع بعد طرحه لفكرة ما في جلساته الخاصة أو خطبة الجمعة أو من خلال الصحافة، وهذا الأمر لم يتأتَ إلا عن طريق حرف قناعاتهم وإشباعهم إقناعاً وأفكار بديلة من تلك التي يؤمن بها وبالشخصيات التي يعتقد بالانفتاح عليها ممن شذت أفكارها وندرت وفي فضاء الانحراف ظهرت، أو ممن لم تكن بتلك الحصيلة الحوزوية العميقة التي تحول وتوجهات الصفار الفكرية الجديدة.

لا علينا الآن من المزامير الإعلامية للشيخ حسن الصفار وطريقة عملها، فلنا وقفة مستقبلية إزاء تعليبها للأفكار ورميها المجتمع بها وشل كل من يفند أو يقف أمام الشخص الداعي الأساس لها وهو الصفار نفسه.

كانت بداية ظهور أفكار الصفار الجديدة في العالم الشيعي وبشكل يستفز عقائد الناس وقناعاتها عبر مكاشفاته مع الصحفي السلفي عبدالعزيز القاسم ومجلة الجسور السلفية، وعبر جملة أخرى من اللقاءات والزيارات لشخصيات سلفية، في الحين الذي كان يتمتع بنفوذ اجتماعي جيد وعلاقات متميزة مع المسؤولين، وهذا ما جعله يشعر بعدم الحاجة للمجتمع الشيعي وأفكاره وقناعاته المذهبية.

كانت تلك الأفكار التي بدأ الشيخ حسن الصفار التبشير بها تحرج مرجعيته التي يرجع لها ظاهراً وهي مرجعية سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله، والتي اختارها ومهد لها قبل انتقال مرجعه السابق آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي رحمه الله، معتبراً مرجعيته شرنقة يجب الخروج منها. وكغيره من بعض المقلدين، تحول الصفار بعد رحيل السيد الشيرازي، إلى المدرسة النجفية بغية تشريع الأبواب التي ظلت مغلقة أمامه، والاستفادة من مكامن القوة الدينية لهذه المدرسة الممتدة على الساحة القطيفية، والموغلة في قرى الريف القطيفي بوجه خاص.

وقد أراد الشيخ الصفار بعد رحيل المجدد الشيرازي الثاني، النيل من مرجعية السيد صادق الشيرازي، وإيجاد التموجات والتحديات والجدليات والإثارات التي تشغل الساحة، في رهان على إنعاش  التنافس التاريخي الشديد والمحموم بين المدارس والتيارات الشيعية، وإنزال حمى التعصب والاسطفافات الاجتماعية من جديد إلى الساحة القطيفية، واستغلال ذلك في إعادة تموضعه على خارطة التحالفات الدينية والاجتماعية، ورسالة تصدي واضحة لمشروع المرجعية العالمي باستراتيجية استيعاب وكلاء وكفاءات المرجعية الشيرازية وساحتها الاجتماعية.

إلا أن المستجدات على الساحة الشيعية والتموضعات التي فرضتها القوة الدينية الصاعدة في الجيل الأصغر سناً المتأثر بالموجة الإعلامية لانتصارات سياسية وعسكرية في مناطق مختلفة من العالم بقيادات دينية شيعية، قد فرضت موازين قوى دينية جديدة مع انكفاء القيادات الدينية التقليدية، وتماهي واضح لمن خلفهم في مشاريع كانت محرمة في السابق، مع حقيقة أن الكثير منها لم تندمج فكرياً وعقائدياً في الأدلجة السيادينية إلا بمقدار التأييد الإعلامي للهرب من وطأة الترهيب، أو لتحقيق بعض المكاسب.

وقد طغت نبرة المنتصر لمحاولة اختزال التنوع الشيعي الغني بمدارسه وتياراته في تيار واحد ومدرسة واحدة على خلفية سياسية، وأدى ذلك إلى حركة مراجعة واسعة على مستوى القوى والأطياف الفاعلة في الساحة، لتعيد تشكيل خطاب سياسي ومذهبي جديد يتواءم مع المتغيرات الإقليمية والعالمية، وهو ما جعل الباب مفتوحاً أمام الصفار للعزف على التناقضات وإشعال حمى الصراعات، مستغلاً التباين المرجعي بين التيارات المتصارعة، وقد نجح الصفار إلى حد ما في إثارة الشكوك حول نوايا المرجعية مستفيداً من ضعف التسيس لبعض الجهات الدينية وخطابها الذي لا يتناغم مع أطروحاته.

وفي هذه الأجواء العاصفة، دشن الصفار مشروعه الانفتاحي على السلفية التكفيرية بشعارات التقريب والتعايش والوحدة الإسلامية، وهو غزل جاء متناغماً مع القوة السياسية الشيعية الصاعدة على الساحة الإقليمية، وقبول رسمي في الساحة المحلية وقد ساهم ذلك في تنصيب الصفار نفسه زعيماً معتدلاً لشيعة المنطقة، أو شيعة السعودية على أقل تقدير. وراهن على لعب دور أكبر بعد مشاركته الرسمية في الحوار الوطني، ومؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية، وانفتاحه على القيادات الدينية الوهابية، ورموزها الثقافية والإعلامية.

الشعائر الإسلامية الشيعية


لقد تجاوز الشيعة المراحل الأصعب من سنوات الضعف والتهميش وهم الآن يتمتعون بموقعية أفضل على أكثر من صعيد كقوى ذات ثقل سياسي واقتصادي وثقافي. وكونهم تجاوزوا مرحلة الدفاع عن عقائدهم وشعائرهم، بالإضافة إلى كونهم يحملون رسالة للآخرين. إلا أن هذا الإنجازالمهم، لم يلقَ صداً لدى الصفار، ولم يوظفه في علاقته مع السلفية التكفيرية كما ينبغي، بل على النقيض من ذلك، قدم الصفار تنازلات على صعيد العقائد في تجاوز خطير على أصول وفروع العقيدة الإسلامية الشيعية، ونصب نفسه مرجعاً يحرم ويحلل على الفضائيات، ويصدر بيانات الطعن في الشعائر الإسلامية، مع بعض المعممين المتماهين معه في مشروع الانفتاح، تحت شعارات الوحدة، والتقارب، والتعايش، والمواطنة. (انظر لبعض الوثائق المرفقة).







القضية العراقية

انتعشت آمال الشيعة من جديد بعد طول انتظار بسقوط نظام الطاغية صدام، كون الشيعة في العراق يمثلون الأغلبية، وفي بلد عربي عريق، ويمثل ثقلاً دينياً وسياسياً واقتصادياً. فقد أماط سقوط صدام اللثام عن القوة الشيعية في العمق العربي بعد أن كانت مقموعة ومهمشة ومتجاهلة على المستوى الإسلامي، ومن المنتظر أن تلعب دوراً محورياً ومهماً على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، رغم المخططات المعادية، والعراقيل الكثيرة، والمؤامرات المختلفة التي تعمل على إفشال صعود الأغلبية في إدارة البلاد وما يمثله ذلك من إعادة تركيب الخارطة السياسية والمذهبية في منطقة من أهم المناطق كونها تمثل مصدراً استراتيجياً للطائفة الشيعية، وتمثل ثقلاً حضارياً متميزاً، ويظهر لكل مراقب الدور الذي لعبته السعودية والمؤسسة الدينية السلفية في إذكاء الطائفية وممارسة الانتهاكات تجاه المقدسات الإسلامية الشيعية، وحقوق الإنسان بالتهجير والتفجير والقتل اليومي واستمرار شلال الدماء لإفشال هذا النهوض.


ورغم هذا الهجوم الدموي الطائفي الوهابي البغيض الساعي لإفشال النهوض الشيعي في العراق، لم يتوانَ الصفار في مد جسور الانفتاح والتواصل مع السلفية التكفيرية، وتقديم التنازلات تلو التنازلات دون أن ينبس ببنت شفة تجاه ما يحدث في العراق من انتهاكات يومية لحقوق الإنسان، وإشعال الحرب الطائفية بتمويل وفتاوى وإرهابيين من السلفية التكفيرية. ومع كل الفظائع التي كانت ترتكب بحق المسلمين الشيعة، ظلت قنوات التواصل بين الصفار والسلفية التكفيرية مستمرة، ولم تشهد العلاقات الحميمة بينهما توتراً جراء ما يحدث، اللهم إلا من بعض التصريحات والبيانات الهزيلة من الصفار، لذر الرماد في العيون، أما تبادل اللقاءات والتنسيق وإقامة المآدب فقائمة على قدم وساق.


لقد أزعجت هذه المواقف المشينة ضد الشيعة وقضاياهم وشعائرهم، بما في ذلك اللقاءات التلفزيونية والصحفية، مقلدي السيد السيستاني ووكلاءه، كون الصفار يرجع إليه ويستشهد به كثيراً في تلك الفترة، فتوالت الاتصالات والرسائل على مكتب المرجعية في النجف الأشرف وقم المقدسة، حتى صار وكيل المرجع السيستاني وصهره في قم المقدسة سماحة السيد جواد الشهرستاني ناقلاً للعديد من الرسائل التي تدعو الصفار لعدم إيقاع المرجعية المحافظة في شرك أفكاره عبر عدد من وكلاء المرجع السيستاني وبعض المقربين من الصفار من أصدقائه.كما أصبحت أفكاره التي يستند فيها لقراءات ناقصة مثار جدل بين علماء حوزتي النجف وقم ما تسببت في حاجته لوجود خطة أخرى لتمرير الأفكار بدل إلصاق اسم السيد السيستاني أو العلماء المتعمقين في المسائل العقائدية الذين تفضح آراؤهم توجهاته.


ولهذا لم يكن للصفار من بد إلا عبر إلماع شخصيات بديلة تتشكل حسب رغباته وتصبح اسماً يستند عليها في الاستشهاد بمتبنياته الفكرية لإقناع المجتمع أن هذه الأفكار محترمة ويقول بها غيره ولكن لن يكون ذلك أمراً سلساً في ظل وجود أتباع من حوله لازالوا مرتبطين فكراً بل وتقليداً بمرجعيات وشخصيات تزعج الصفار وتقف أمام طوفان أفكاره.


اليعقوبي هو البديل


بعد فشل مشروع الصفار في الارتباط بالسيد محمد حسين فضل الله وتبني نشر بعض كتبه وأفكاره، ذلك الفشل الذي كان سببه موت فضل الله -كما أشرنا في المقال السابق- أصبح من الضروري التهيئة لجهات عديدة تتشكل بحسب قناعات الصفار، فعمل على إيجاد بدائل بل كما عمل في حياة السيد محمد الشيرازي رحمه الله، من إعداد نفسه ومن حوله لمرجعية جديدة تخرجه من الحدود التي تؤطر عمله، فها هو يعمل ذات الأمر في البحث وإيجاد مرجعية بديلة مناسبة لأهوائه اللامنتهية في حال رحل سماحة السيد السيستاني أطال الله بقاءه.


وبما أن الصفار لا يتفق مع مسار المرجعيات النجفية الثلاث التي بالطبع ستكون إحداها المرجعية العليا وذمه لبعض مرجعيات النجف في جلساته ومع مريديه، وقع التفاوض على الشخصية المنبوذة في أوساط حوزة النجف لما تحمل من إشكالات أخلاقية وفقهية وتهجّم على مراجع النجف الأربعة ومراجع قم وهي الشخصية الأكاديمية خريج كلية الهندسة المدنية بجامعة بغداد عام 1982م المهندس "الشيخ" محمد اليعقوبي.


كانت تحركات الصفار في طرح اليعقوبي حذرة جداً، ولكن الأخير فضح الصفار عندما نشر في موقعه الرسمي أنه تلقى اتصال تأييد من الصفار يشكره على مواقفه من الشعائر الحسينية، إذ كان في ذلك الحين قد أفتى بحرمة خروج النساء لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، وليس غريباً ذلك الاتصال فمعروف عن الصفار صلافته ومواقفه المتشنجة من الشعائر الحسينية. وقد جاء الخبر في موقع اليعقوبي كالتالي:




لم يكتفِ الصفار بذلك بل صار في جلساته يتحدث عن اليعقوبي ويصفه بالمرجع الحضاري، يبدو أنه وجده فعلاً الرجل المناسب لميوله الفكرية، و(الشماعة) الأكثر استعداداً لتحمل تبعات مشاريعه وأطروحاته المشبوهة، فأرسل له أخيه الشيخ محمد الصفار للجلوس معه في النجف الأشرف في زيارة غير معلنة استمرت لقرابة الساعتين، كما أنه تم الإيعاز لإحدى المؤسسات الدينية القريبة من الصفار بترتيب وضع بعثة الحج لليعقوبي واستئجار مبنى مناسب، ويعكف مكتبه حاليا ًعلى طباعة رسالة اليعقوبي العملية تمهيداً لحملة التبشير بالمرجعية القادمة.

ولا أدري كيف يجمع الشيخ الصفار بين الترويج لليعقوبي الذي وصف المرجع السيستاني بـ " فرعون هذه الأمة " في تسجيل مرئي له انتشر في الآفاق، وبين التدثر بعباءة السيستاني على القنوات الفضائية والمنابر والصحف ؟!

لكن من يعرف طبيعة الشيخ البرغماتية المتلونة والخالية من المبادىء لايستغرب هذا اللعب على المتناقضات !




Tuesday, June 3, 2014

أخلاقيات الاختلاف وإسداء النصح إلى الأصدقاء: دروس من مقال الكاتب محمد الشيوخ

(سيدنا المحترم: هذه المنهجية لا تليق بمقامك). بهذه العبارات عنون الكاتب الأستاذ محمد الشيوخ حرسه الله، مقاله معاتباً السيد ماجد السادة على توصيفاته لصاحب القامة العلمية  الشيخ/ الدكتور توفيق السيف، وقال : (إن هذه التوصيفات والنعوتات البذيئة، التي يخجل المرء العادي من استخدامها في حق أخيه الإنسان الآخر، أطلقها رجل دين معمم ينتسب إلى رسول الله ص وبدون خجل وورع وتردد، في حق رجل فاضل مؤمن). والسبب في ذلك –كما يقول الكاتب-: (لا لشيء سوى أن الأخير عبر عن بعض آرائه).

وفي مقطع آخر من مقال النصيحة الأخوية، ألمح الكاتب إلى سلوك السيد ماجد "الشوارعي" مع كل من يختلف معه، فقال: (بالمناسبة صاحبنا المحترم السيد المعمم حرسه الله دأب على ممارسة هذا النوع من السلوك، في الفيس بوك على الأقل مع كل من يختلف معه في الرأي والفكرة، وصار كل مغاير له في الأفكار والآراء مصداقاً لتلك النعوتات والصفات أعلاه في نظره طبعاً).

كما أفصح الكاتب الشيوخ رعاه الله، عن سبب هذه النصيحة العلنية قائلاً: (ولطالما تم الحديث معه سراً وعلانيةً ومن أكثر من طرف لتجنب هذه المنهجية غير المتزنة مع المختلفين معه في الرأي، لكونها لا تليق برجل عادي فضلاً عن رجل دين مثله، ولكنه لازال مصراً على طريقته المعتادة). ومن منطلق الصداقة يقول الكاتب الشيوخ: (يحق لنا كأصدقاء أن نقول له علناً وبوضوح أيضاً بعد أن قلنا له مراراً سراً: سيدنا المحترم دع عنك هذه المنهجية لأنها لا تليق بمقامك أولاً، وستكون (أنت) المتضرر منها ثانياً وثالثاً ورابعاً).

هذه النصيحة من الأستاذ الكاتب المرموق الشيوخ حفظه الله تعالى، قد أثَّرت في نفسي كثيراً، وكدت أستسلم للبكاء لما لمسته من مكنون إنساني أخلاقي حرك أنامله الرقيقة، ودفعت بقلمه السيال توجيه هذه النصيحة من منطلق الأخوة والمحبة والخوف على الأصدقاء، وحرصاً منه على مكانتهم الدينية، وتأكيداً منه على أن المقال البذيء قد خرج من تحت عباءة "معمم" ينتمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو إساءة للعلماء الذين ينتمي إليهم !!

إن هذا الشعور الإنساني والأخلاقي من الكاتب تجاه من يحب ومن يحترم، يجب أن نتدبر فيه كما نتدبر في آيات الذكر الحكيم –مع الفارق- ولا أغالي إذا قلت بجعله منهجاً إنسانياً وأخلاقياً لكل كاتب، صاحب خلق رفيع، وأمانة أدبية، وموضوعية في طرحه وأفكاره، حيث تضمنت هذه السطور القصيرة دروساً مهمة وعميقة وذات أبعاد –كما أسلفنا- إنسانية وأخلاقية، وقرأنا بين سطوره حرصاً شديداً بل ومنقطع النظير على الأصدقاء قلَّ أن تجد له مثيلاً في هذا الزمن الصعب !!

إن هذه النصائح من الكاتب الشيوخ، لبضع كلمات بذيئة –حسب رأيه- كتبها السيد ماجد السادة في مقاله، وجاءت توصيفاً للعلمانية والعلمانيين، ومع شكري وتقديري لصاحب الكلمة النيرة الأستاذ الشيوخ، على نصائحه وخوفه وحرصه الشديد على السيد ماجد، إلا أن مقاله خلا من الرد على ما تفضل به السيد من تساؤلات.

ألم يكن الأجدر بالأستاذ الشيوخ أن يجيب على التساؤلات التي أوردها سماحة السيد في مقاله، والتي ابتدأت جلها بكلمة (كيف)؟ ، وهل من الموضوعية أن تتجاهل جميع هذه التساؤلات المهمة والتي تحتاج إلى إجابة من جناب الدكتور السيف، أو من انبرى للدفاع عنه من الجوقه المحيطه به، والتركيز على عبارات توصيفية كان السيد ماجد محقاً فيها، وتجعل مقالك يصعد وينزل ويلف ويدور حولها؟

ولماذا تنزعج من وصف العلمانية والعلمانيين (بالخبثاء) و(المرضى) هل أنت منهم؟ لماذا لا تعلن ذلك !؟ ، وتكون شجاعاً كما أعلنها مراراً توفيق السيف على الفضائيات؟. لقد وصفت الدكتور السيف في مقالك بـ (المؤمن) وأنت لم تخطأ في هذا الوصف، فقد أعلنها الدكتور قبلك على القنوات الفضائية بقوله: (أنا مؤمن بالعلمانية) فلماذا لا تكون شجاعاً مثله وتعلن كما أعلن وعلى الفضائيات حتى أحترمك كما أحترم صراحة دكتورك؟. إني أقترح عليك أن تترك أنت أيضاً (حلاق المؤمنين) اقتداءً بدكتورك وتتحلى بالشجاعة وتعلنها مدوية بأنك (علماني) وسوف يكون لك فضل السبق في هذا القرار قبل أن يسبقك إليه أصدقاءك المتحمسين لإعلان الحزب العلماني الجديد.

لقد ألبست الدكتور السيف ثوباً هو خلعه، وخرج على شاشة إحدى الفضائيات وأعلن أمام الملايين بأنه علماني، فلماذا تتبرع أنت وتستعير ثوباً ضاق عليه وتدخله عنوةً في مقالك الخالي من الموضوعية. ثم تغدق عليه الألقاب فتصفه: (بغزارة علمه!)، أين علمه فضلاً عن (غزارته)؟. لقد ذكرني مقالك وتوزيعك للألقاب العلمية بندوة عقدت في الزمن الغابر أُريد منها تتويج الدكتور السيف بلقب (المجدد في الفكر الإسلامي)، إلا أن المناظر لم يعِ الهدف من الندوة كما أظن، فما كان منه إلا أن أحضر جميع كتب الدكتور، ونشرها أمام الجمهور ثم قال: أرني يا سعادة الدكتور المجدد، أين التجديد في فكرك؟ فلم يجد الدكتور جواباً !

ولم تكد تمر الأيام حتى استضاف (منتدى الوسطية) سعادة الدكتور السيف في ندوة كان طرفها الآخر سماحة العلامة الفاضل الشيخ محمد العبيدان حفظه الله، ليضعه مرة أخرى أمام امتحان صعب، لم يظهر شيء من غزير علمه أمام ضربات سماحته، ليكتفي الدكتور بالتحديق بسقف القاعة دون أن ينبس ببنت شفة، وعندما أُلح عليه بالجواب قال قولته العلمية: (أنا لست مضطراً أن أجيب على أسئلته) !! ، وبسبب هذه الإجابة العلمية المفحمة من الدكتور، فقد المنظمون التسجيلات الخاصة بهذه الندوة وفوتوا على العلماء والمتخصصين الاستفادة من (علمه الغزير) الذي تدعيه !

لقد بذّل الأستاذ محمد الشيوخ، جهوداً كبيرة (سراً) لثني السيد ماجد عن مواصلة أسلوبه (الشوارعي) في التعاطي مع خصومه على صفحات التواصل الاجتماعي، ولكن السيد ماجد أصر على سيرته ولم يستمع لكل النصائح التي صدرت من أصدقائه ومنهم الأستاذ الشيوخ وفقه الله، -كما جاء في مقاله- وكنت أتمنى من الكاتب المحترم، أن يكون عادلاً مع أصدقائه فلا يستثني بعضهم من النصح والتوجيه، أم أن النصيحة لبعضهم ما تزال في طور السرية والكتمان؟

هل يعلم محمد الشيوخ، الناصح الأمين لأصدقائه، أن الدكتور السيف كان طالب علوم إسلامية وكان يضع العمامة على رأسه لسنوات خلت، ثم بعد ذلك خلع العمامة وأعلن إيمانه وتصديقه بالعلمانية ونبيها؟ وإذا كنت تعلم ذلك فهل ما زلت في مرحلتك السرية مع أصدقائك الكتّاب والمثقفين تقدمون النصح والتوجيه له علَّه يتوب ويتراجع؟ ومتى سينفذ صبرك وتعلن نهاية نصائحك السرية بمقال موضوعي مشابه لمقالك ضد سماحة السيد؟

إذا كانت عبارات السيد ماجد التوصيفية للعلمانية والعلمانيين قد أزعجتك وقضَّت مضجعك، ولم تستطع النوم حتى انبريت تنصحه سراً وعلانية، فما بالك لم تحرك ساكناً وأنت ترى الدكتور السيف يخلع عمامته، وينقلب على دينه، ويعلن على الملأ علمانيته؟ أم أن هذا الانقلاب يأتي ضمن الحرية الشخصية، وحرية الرأي والعقيدة من وجهة نظرك؟ (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)سورة يونس الآية (35)

الشيوخ يعارض الشتائم والنعوت البذيئة  !

إنني أتفق مع الأستاذ الشيوخ فيما ذهب إليه، وأدعو كل الكتّاب إلى تهذيب عباراتهم وتوصيفاتهم مع الآخر المخالف لهم في الرأي، وأن يكونوا موضوعيين فيما يكتبون، وأن يراعوا إنسانية وأحاسيس الآخرين، وأن يبتعدوا عن النعوت البذيئة، أو الكلمات المسيئة أو العبارات النابية. وكما يدَّعي الكاتب المحترم، فإن سماحة السيد ماجد قد أساء في عباراته التوصيفية للعلمانيين بكلماتها المشينة والتي تتعارض مع إنسانيتهم وحقهم في التعبير عن آرآئهم بحرية، وهو ما كفله الإسلام، ونصت عليه القوانين الدولية في حق التعبير عن الرأي.

إن هذه النصيحة الغالية والتي تضاف إلى سلسلة النصائح الأخوية من الكاتب الشيوخ، افتقرت لمفردة صغيرة قد أغفلها سهواً كما أظن، أو لربما لا تحظى بالأهمية من الكاتب كغيرها من النصائح، وودت أن أذكرها علَّها تجد طريقاً لسلسلة النصائح الذهبية لكاتبنا المخضرم. وأكاد أجزم أنها متلازمة لا تكاد تنفك عن معظم مقالات الأستاذ الشيوخ.

ومع هذا الإسهاب في التوصيف لنصيحتي الأخوية، إلا أنني عاجز عن تعريفها أو حتى تسميتها، فلا أعلم هل هي (النفاق) أم هي (الضرورات الكتابية أو الصحفية) أم هي (التلون) أو (انفصام الشخصية) أو (خبث) أو (مرض) كما نعت السيد ماجد بها العلمانية والعلمانيين؟ لا أعلم.

لقد درج الأستاذ الشيوخ في مقالاته مع خصومه ومن يختلفون معه في الرأي، بوصمهم بأقبح الصفات، وأقسى العبارات، ورميهم بأبشع الاتهامات والافتراءات، ولم يبقِ في قاموس الشتائم والسباب والبذائة الشوارعية نعتاً إلا وألصقه بهم، دون وازع من دين أو أخلاق، أو احترام لمكانتهم الدينية، أو العلمية، أو الاجتماعية.

يقول الكاتب الشيوخ في مقاله المعنون: (شيعة المملكة والسلفية وشراكة الأنداد):

(في الوقت الذي ينظر العديد من المراقبين إلى المبادرة الشيعية على إنها خطوة تحسب لصالحهم ونقطة تضاف إلى رصيدهم، لازالت بعض القوى المحلية تصر على تفسير هذه الخطوة تفسيراً سطحياً جهلاً بمغزى أهدافها وغاياتها ونتائجها أو تذكراً لقيمتها وأهميتها الوطنية والدينية لا لشيء سوى لأجل استمرار "مشاغبة" مشاريع رواد هذه المبادرة الرائدة ضمن لعبة "المشاكسة" والمناكفة الداخلية ليس إلا).

وفي مقاله: (أطلقوا عنان الجدل يرحمكم الله) يقول الشيوخ:

(ربما من أبرز السلبيات المصاحبة للجدل القائم في مجتمعنا والتي ينبغي إعادة النظر فيها قليلاً (ولكن ليس إلى حد الهوس) هي وجود حالة من النرجسية المبالغ فيها لدى بعض التيارات والشخصيات والرموز المتصدية حديثاً للشأن العام، ربما حداثة تجربتها في التصدي يجعلها تصاب بمرض :"النرجسية" الذي يعني زيادة التحمس والتوجس من حالة النقد إلى الحد غير الطبيعي. تتمظهر هذه النرجسية في محاولة عدم تقبل النقد للطروحات والمشاريع والمواقف، حتى المرتبط منها بالشأن العام.

وإن جاء ما يفعله النرجسيون هو طرح أفكارهم وتصوراتهم دون أدنى استعداد لتقبل المناقشة أو الاعتراض العلني لمواقفهم أو أقوالهم ومشاريعهم إن كانت لديهم مشاريع تذكر، متناسين بذلك أن النقد هو ضريبة التصدي للشأن العام، ولسان حالهم: لنا كامل الحق في الطرف والهمز واللمز ونقد الآخرين ومشاريعهم ولكن لا يحق للآخرين الاعتراض والمناقشة لمواقفنا وطروحاتنا، وبمجرد أن يتم ملامسة بعض أفكارهم وطروحاتهم بالنقد، حتى وإن كانت تلك الطروحات غير ناضجة، وبقراءة موضوعية أيضاً وخالية من التجريح والتسقيط والتسفيه والتخوين تثور ثائرة النرجسيون وكأن الناقد قد أدخل أصبعه في عش "الدبابير").

ويقول الشيوخ في مقاله: (المزاعطة السياسية):

(وتكون اللعبة السياسية في غاية السوء حينما تجتهد القوى المتنافسة للتسلق على أكتاف القوى الأخرى دون وجود أدنى مؤهلات للتصدي أو فقدان الإمكانات الفعلية لقيادة أي مشروع حقيقي على الأرض. ولا أظن أن هنالك سياسي مثقف نزيه يسوغ لنفسه أن يؤدلج أو يشخصن الرأي المخالف. ولا يبيح لنفسه أن يجعل منه مادة للصراع الاجتماعي والسياسي السلبيين بقدر ما يسعى لتوظيفه إيجابياً لخدمة مجتمعه وتحقيق أهدافه وتطلعاته أو الدفع بالوعي السياسي للأمام.

ينبغي للاعبين السياسيين الوطنين والمتفرجين الواعين في هذه المرحلة تحديداً أن يمارسوا دوراً ايجابياً في هذا الاتجاه، وذلك من خلال إطلاق أي مبادرة أو فعل إيجابي بدلاً من الاكتفاء بإشغال صفو المجتمع الملتهب حماساً للحراك في جدل بيزنطي يزيد مواجعه ويستهلك طاقاته في البحث والانشغال إلى درجة الإسفاف والاستنزاف في حدود معركة من تنطبق ولا تنطبق عليه مفاهيم ومصاديق وشروط ومعايير المعارضة والموادعة والمقاطعة والمساكنة و"المناطحة" ومن ثم الولوج في معركة حيص بيص "المزاعطة" السياسية ليس أكثر).

أما في مقاله: (اخرس يا زعيم) فيقول:

(فمثلاً لو أن زعيماً سياسياً أو دينياً رأى أن من سلم أولوياته السعي لخلق حالة من التعايش السلمي في مجتمعه المتعدد طائفياً ومذهبياً ودينياً وعرقياً، أو تشكل نمط سلوكي اجتماعي معين أو تعزيز طريقة تفكير ما في مجتمعه، فإنه سيعمد إلى سلاح النقد منتقداً كل سلوك يقف حائلاً دون تحقيق تلك الغايات المنشودة وهذا هو الدور المفترض منه وبدونه لا يتحقق الإصلاح والتصويب. وفي المقابل لا ينبغي لمن تغيب عنه هذه المبررات النظر إلى هذه الممارسة بريبة وشك أو الوقوف منها موقفاً عدائياً).

وفي مقاله المعنون بـ: (شيعة السعودية وحزب الله السني) يقول الشيوخ:

(المتباكون على العقيدة خشية الذوبان جراء التواصل، والمشككون في نوايا الدافعين في اتجاه مد جسور العلاقة بين أقطاب جميع المكونات الاجتماعية والمذهبية في الداخل السعودي، هؤلاء إما أنهم يقفزون على الآثار والنتائج أو أنهم "مصابون بالعمى". وعليه فإن من لديه رأي آخر غير سبيل التواصل في التخفيف من حدة الشحن الطائفي والتشنج المذهبي، وتغير الصورة النمطية للشيعة، غير "التباكي والنفخ في الهواء"، فالساحة تتسع لكل الآراء وتستوعب كل السبل والخيارات، وغاية ما ينبغي التأكيد عليه هو البعد قدر الإمكان عن محاكمة النوايا، والتحلي بقدر من التعقل والتفهم، وقراءة مقاصد الأدوار بصورة أكثر إنصافاً وموضوعية).

وأختم بما جاء بمقاله: (لفيتنا «التهريجية» في حفلات «القهقهة» تنتصر للعقيدة):

(أعود واقول لست مستغرباً مما حدث في ذلك المكان المقدس من سلوك، خصوصاً من شخص درج على ممارسة مثل هذا السلوك وفي مناسبات عديدة وأماكن مشابهة، حيث أنه تعرض قبل شهور خلت إلى قامات علمية مرموقة ومحترمة اجتماعياً، مستخدماً عبارات وألفاظ، يترفع أبناء الشوارع عن ذكرها لتفاهتها وبذاءتها، خصوصاً في مناسبات دينية عظيمة وأماكن لها قداستها الخاصة، لدى المسلمين الشيعة على الأقل. عدم استغرابي واندهاشي من حفلات «القهقهة»، التي يرى فرسانها وروادها «المهرجون»، إنها تأتي في سياق الانتصار للعقيدة وحمايتها من الضالين والمضلين).

(في الحقيقية لست معنياً هنا لمناقشة خطورة ذلك التصور وتحليل كيفية تشكله أو تقييم مدى سخافته وانحطاطه وعدم صوابيته، كما لست بصدد إسداء النصح لأخينا الملا الموقر ورهطه الكرام). (ليس الفردان وحده، فلا تتعجبوا منهم حينما يتجاوزوا نواميس الآداب والأخلاق ويسخروا من الآخرين، أو يحاولوا الحط من مكانتهم، حتى لو كانوا في أقدس المواقع وأطهر البقاع وأعظم المناسبات وأجلها، لأن عقيدتهم الخاصة و"تصوراتهم العوجاء"، وبحسب موازين فكرهم المتحجر-مع الأسف الشديد- تشرعن لهم ممارسة مثل تلك الأفعال "البهلوانية السخيفة والقبيحة" في آن، وأكثر من ذلك أيضاً).


 (وبما أنه لايوجد اختلاف جوهري وكبير يذكر، بحسب وجهة نظري، في التصورات الفكرية بين أتباع السلفية "التفجيري" وسلفيتنا «التهريجية»، ولقناعتي الراسخة بأن أصحاب هذا الفكر المهترئ والمتحجر يصعب إقناعهم بشيء موجود وقائم اسمه تعددية قراءات واجتهادات للعديد من النصوص الدينية، لأسباب لا داعي للخوض فيها هنا، لذلك أبارك لمولانا الفردان على جهده واستماتته في حفلات "القهقهة والتهريج" الصاخبة، طالما أنها تستهدف، بحسب تصوره وقناعته، الذب عن حياض المذهب وحماية العقيدة والانتصار للحق. ختاماً آمل من أعضاء سلفيتنا "التهريجية" الجديدة الصاعدة أن لاينسونا من صالح دعواتهم المباركة في حفلاتهم القادمة، المخصصة للقهقهة والفرفشة والهرج).

كانت هذه مقتطفات من بعض مقالاته، ومن خلال هذه الجردة السريعة يتضح أن مهاجمته للآخرين ووصمهم بالجهل والحط من مكانتهم الدينية والعلمية، وكيل الشتائم والألفاظ النابية والنعوت البذيئة لهم، هو ديدنه وأسلوبه المفضل في التعاطي مع خصومه لا لشيء سوى أنهم عبَّروا عن بعض آرائهم !! .

وتتلخص غايته من ذلك في شطب الآخر، وإقصائه، وإلغاء رأيه، وتكبيل حريته، والرقص على جراحاته، وهو الأمر الذي يتهم به غيره، وغالباً إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فإن كشفاً جديداً لمرض جديد يضاف إلى أصناف انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) وهو فرض نفسه على مقال السيد ماجد، فعبر عن فصام شخصية (انترنتي) لم يدر في خلد (سيغموند فرويد) أن يكتشفه، أو حتى يضع يده على عرض واحد منه، وهو الأمر الذي بدت أعراضه على كاتبنا المفصوم .

وبعد هذا، فإن الكاتب الشيوخ هداه الله، يستحق أن يكون مدرسة لتعليم أبناء الشوارع أنواع الشتائم والنعوت البديئة، حيث يظهر من مقالاته الإبداع في ابتكار النعوت البذيئة والشتائم، وقد اعتبرته بعد هذه الجردة البسيطة على جل مقالاته، أنه صاحب قاموس خاص حري بالمجرمين وأبناء الشوارع اقتناءه والتعلم منه، ومن كانت هذه سيرته فيما يكتب فإن عليه أن يخرس، وأن يبادر لعلاج نفسه أولاً من هذه الآفة القبيحة، ومن ثم يقدم النصح للآخرين امتثالاً لحديث أمير المؤمنين عليه السلام: (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به). وأن يعذرني أخي وصديقي الأستاذ محمد الشيوخ، على هذه النصيحة الأخوية العلنية الصادقة، التي أتت بعد نهاية المرحلة السرية من النصح، وبعد أن استنفذت كل السبل لإقناعه بالكف عن التعرض لخصومه بالنعوت القبيحة التي أزكمت أنوفنا منذ بدأ يسود صفحات تاريخه.











Saturday, May 24, 2014

سلسلة لماذا الهجوم على الشيرازي؟ (١-١٠)

لماذا الهجوم على الشيرازي؟  (1-10) 



بعد قطيعة دامت ثمان سنوات لمرجعية آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، أعلن الشيخ حسن الصفار نهايتها عندما بادر 
بإحياء الذكرى التاسعة لرحيل المجدد الشيرازي قدس سره، إلا أن هذه الرسالة والتي أتت على أكثر من صعيد، كانت مقدمة لمشروع سياسي أُريد للتيار الشيرازي الانخراط به.

وقد أتى الغزل الصفاري لمرجعية الشيرازي، بعد فشله في اختراق الساحة القطيفية العصية على التغيير لصالح الصفار والمصممة على البقاء في أحضان عمائم النجف الأشرف، دون إبداء قبول أو قناعة بالمتحول الجديد رغم محاولاته المستمرة وتنازلاته الدائمة وتودده طوال الوقت لزعامة من كان يصفهم يومًا بـ (العمائم الرجعية، وعملاء المخابرات الأمريكية) حتى مع سلوكه طريقا تقليديا واحتضانه بعض الطلبة وتخصيص مكافآت مجزية لهم.

لقد دفعه اليأس من اختراق المرجعية النجفية، لمغازلة أصدقاءه السابقين، ومحاولة الارتماء في أحضان الشيرازي من جديد بشعارات (مرحلية) كانت بدايتها الإعلان عن عقد المؤتمر الأول لما أُطلق عليه (جمع التيار الشيرازي) بمزرعة أبي فراس بصفوى ودعا له جمعًا من وكلاء السيد الشيرازي، وبعض الأتباع السابقين بمشاركة الصفار وتوفيق السيف وأعضاء مكتبه ومشروعه الجديد، وتم خلال المؤتمر الإعلان عن تأسيس حزب سياسي، ودعوة الوكلاء والمنتمين للمرجعية الشيرازية للمشاركة في تأسيسه، وتمويله، وتولي بعض مناصبه القيادية.

إلا أن الشيرازيين علقوا موافقتهم بالانتماء للحزب السياسي بموافقة مرجعيتهم حسب تكليفهم الشرعي، وهو ما استدعى قيام الصفار وبعضا من المؤيدين لمشروعه بزيارات مكوكية لبيت المرجعية بقم المقدسة لتوضيح أهداف الحزب ونشاطاته، وطمأنة المرجعية بأن الحزب سوف يكون تحت قيادتها، وخاضع لتوجيهاتها، تمهيداً لنيل الموافقة على تأسيسه، وتحمل أعبائه المالية، ومسؤولية الدفاع عن قراراته وأنشطته إذا ما تعرض للنقد أو الهجوم من التيارات الدينية الأخرى، أو الحكومة.

لكن المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، رفض تأييد المشروع ونصح وكلاءه وأتباعه وكل من قدم إلى قم والتقى به بهذا الخصوص ببذل جهوده وعلمه وطاقته في نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام، والابتعاد عن العمل السياسي البعيد عن النهج الإسلامي، والغارق في وحل الإجرام والخداع والتسقيط والكذب وتزييف الحقائق، وهي سمات الساسة والسياسة المعاصرة.

• لماذا رفض الشيرازي هذا الحزب؟

بنظرة تحليلية لتوجيهات المرجع الشيرازي لزواره ومن قصده للاستفهام عن موقفه تجاه تأسيس حزب سياسي في القطيف، ومن خلال مواقفه تجاه القضية العراقية – ما بعد صدام- يتضح:

1- إن نظرة السيد صادق الشيرازي حول ما يجري في المنطقة من أحداث سياسية والتي طالعنا بها في محاضراته وبياناته وتوجيهاته يشير إلى صياغة جديدة في التعاطي مع الحدث السياسي والمتغيرات الجارية على الساحة العربية والإسلامية، ويرى أن الزج بالمرجعية في أتون الصراعات السياسية بتأسيس الأحزاب وتبني مواقف سياسية تجاه أطراف وأحزاب وتكتلات سياسية أخرى باسم المرجعية لن يُحدث تغييراً جوهرياً في العمل السياسي يعود بالنفع على الإسلام والتشيع والشعوب في هذه المرحلة.

2- كما أن التجربة العراقية وصعود الأحزاب الإسلامية الشيعية إلى قمة الهرم السياسي واستلام زمام السلطة ودخول رجال الدين في العمل السياسي المباشر، عاد بنتائج سلبية وأساء إلى رجال الدين بعد انتماء بعض المعممين لأحزاب سياسية بعيدة عن الإسلام والتشيع، وتقديم مصلحة الحزب والمصالح الفئوية والشخصية على مصلحة الإسلام والتشيع، ودعوة بعض المعممين لتأسيس دولة علمانية في العراق، طرح عدة تساؤلات حول رجال الدين ودعواتهم المخالفة لتعاليم الإسلام ومبادئه.

3- ولو كان المرجع الشيرازي دام ظله، يؤمن بالعمل السياسي بمظلة دينية في هذه المرحلة، لكن ذلك بتأسيس حزب سياسي في العراق لقاعدته الجماهيرية العريضة التي ظهرت في تشييع آية الله السيد محمد رضا الشيرازي أعلى الله درجاته، إلا أنه يرى أن المرحلة غير مناسبة لإطلاق العمل السياسي بمظلة دينية في العراق أو غيره من الدول الإسلامية، كما أن تبني بعض القوى الدينية للعمل السياسي في العراق في الفترة السابقة لم يكن ناجحاً مما يذهب باتجاه صحة نظرية المرجع الشيرازي في هذه المرحلة.

4- لا أعتقد بأن المرجع الشيرازي يثق بالشيخ حسن الصفار، بل من الواضح إن سماحته ينظر إلى مشروع الصفار بعين الريبة بعد التجربة السابقة، وسيرته في السنوات الأخيرة المتناقضة في مواقفه من الأحداث السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وبين مواقف وآراء مرجعه سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله، ولا يمكن تفسير هذا التباين خصوصاً في الأمور الدينية إلا كون الصفار شخصاً يتبع مصلحته ويقدمها على كل مصلحة.

• فضل الله هو البديل:

بعد فشل الصفار في اختراق الساحة القطيفية ونبذ التيار النجفي له ولمشروعه، بدأ بالترويج لمرجعية السيد محمد حسين فضل الله المرفوضة من الحوزات الدينية، وقام بالترويج لأفكاره وأطروحاته في محاضراته وخطبه، وسخّر وسائله الإعلامية في هذا السبيل وعمل على طرح فضل الله والإشادة به وبنظرياته الثقافية ومشاريعه الدينية والاجتماعية.

وبسبب تبني حسن الصفار لإطروحات فضل الله، دخل في صراع مع النجفيين وبعضاً من علماء ومراجع قم المقدسة، بعد تأييده للمواقف المسيئة للشعائر الحسينية، والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، والترضي على ظالميها وتحريم لعنهم والتعرض لهم، وكل ذلك في سبيل أن يحظى بالرضا من السيد فضل الله، وينال تمثيله في المنطقة.

إلا أن موت فضل الله قد أفشل مشروع الانتقال إلى المرجعية الجديدة، وبات عليه الانتظار لحين معرفة المرجع الذي يجيز البقاء على تقليده، وهل تلبي هذه المرجعية تطلعاته، وفي هذه الأثناء ظل الصفار يدعو ويتبنى أطروحات فضل الله، وقام بنعيه على بعض القنوات الفضائية وطبع بعض الكتب والنشرات حول شخصيته وأنشطته، وظل يدعو إلى مرجعيته، إلا أن إجازة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، جواز البقاء على تقليد فضل الله، جاء مخيباً لآماله، لخلافاته القديمة التي أدت في حينها إلى شن السيد المدرسي هجوماً شرساً على الصفار وأتباعه، واعتبارهم عملاء ومتخاذلين، فوجد الصفار أن من الصعب إزالة الجليد وإعادة الدفء للعلاقات بعد قطيعة دامت أكثر من خمسة عشرة سنة تخللتها بعض المناوشات.

لقد وجد الصفار أن الارتماء في أحضان السيد علي الخامنئي وتبني نظرية ولاية الفقيه سوف يعود بالنفع الكبير على مشروعه السياسي، باعتبار أن السيد يتزعم إحدى أكبر دول المنطقة، وقادر على مد الصفار بالمال والتأييد، وتسخير إمبراطورية إيران الإعلامية لصالح إنجاح مشروعه، إلا أن هذا التوجه خُشي عليه من الحكومة السعودية لتصنيفها إيران ضمن قائمة الأعداء، ومنع أتباعها إقامة علاقات أو اتصالات مع إيران تحت أي عنوان.

فعاد الصفار مجدداً لخياره الأول، وبدأ بالإعداد للحزب السياسي –كما أسلفنا- وبعد عقد المؤتمر الثالث، وجد الصفار أن لا فائدة من متابعة العمل بعد رفض السيد الشيرازي تأييد الحزب والسماح لوكلائه بدعمه مالياً ومعنوياً، فكان قراره الهجوم على مرجعية الشيرازي، والاستفادة من مناسبة أسبوع الوحدة ليبدأ الهجوم.

• الهجوم على الشيرازي:

يعتقد الصفار أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مشروعه هم آل الشيرازي، وهو ما يفسر التطاول ولأول مرة من مكتب الصفار علنياً على مقام المرجعية الشيرازية في سابقة تُظهر الإفلاس والانكسار الذي وصل إليه، فبدأ الهجوم بخطة تولى إصدار البيانات المجهولة فيها الشيخ محمد الصفار، وتولى توفيق السيف الهجوم الإلكتروني عبر صفحات التواصل الاجتماعي والتويتر، واكتملت فصول المسرحية الهزلية بهجوم حسن الصفار على المرجعية الشيرازية في خطبة الجمعة دون أن يسميها، وانتهى الهجوم بعشرات المقالات ومئات التعليقات والتي جاءت جميعها تؤيد الهجوم لصناعة رأي عام ضد المرجعية الشيرازية بشعارات الوحدة الإسلامية ومحاربة التطرف.
ولا أعلم أيهما المتطرف، هل هو الذي يدعو إلى التمسك بمذهب أهل البيت عليهم السلام، ويعمل على إظهار أحقيته وسلامته، ويدعو إلى احترام عقول الطائفة الشيعية والمدافعة عن حقوقها، أم حسن الصفار الذي ذهب في تطرفه بمهاجمة منهجية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في التعرض للظالمين، وتبني آراء فضل الله، و حربه الشعواء على الشعائر الحسينية، والترضي على الظالمين وتحريم لعنهم في مخالفة صريحة للقرآن والرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، والسماح لشركائه –توفيق السيف- بالتقليل من شأن الإمام علي عليه السلام، والدعوة لمحاصرة تعاليم القرآن ونبذه، والدعوة لمعاونة ومناصرة طالبان الملطخة أيديهم بدماء المسلمين وغيرهم؟!

الحقيقة أن الشيخ حسن الصفار يرى أن من حقه مهاجمة الآخرين متى شاء وكيف شاء، ولا يحق للآخرين المعتدى عليهم الرد عليه ومهاجمته، ولذا لم يحتمل الصفار أن يهاجمه الشيخ الحبيب ويطلق عليه تسميته الشهيرة (سامري القطيف) في الوقت الذي سمح لنفسه أن يبدأ بالهجوم على عالم دين لا ينتمي إلى بلده ويعيش في دولة أجنبية، ويصدّر فيه البيانات وينعته بالمتطرف والمأزوم وغيرها من الألفاظ لأنه تلقى طلباً برسالة نصية من بعض التكفيريين الوهابية تأمره بشن هذا الهجوم، فمرّر الصفار الرسالة لجمع من علماء المنطقة وطالبهم بالامتثال لتنفيذ ما جاء فيها، وإصدار بيانات الشجب والاستنكار.
إن الصفار لم يتورع عن مهاجمة السيدة فاطمة الزهراء، وأم البنين، والإمام علي، وأهل البيت عليهم السلام، فليس غريباً أن يهاجم آل الشيرازي، ومن يعرف سيرته يعلم أن مهاجتمه للآخرين هو ديدنه مع كل من لا يرضخ لمشاريعه المشبوهة، أو يرفض الانخراط بها، فإما أن تكون معي، وإلا فأنت ضمن قائمة (محور الشر الصفارية).

• صمت المرجعية:

رغم الهجوم الواسع الذي يشنه الصفار على مرجعية الشيرازي ورموزها ومريديها، إلا أن الشيرازي لا يبدو مكترثاً لذلك، ويرى أن مواقفه نابعة من صميم الإسلام وإيمانه بالمبادئ والقيم الأخلاقية المستقاة من منهج أهل البيت عليهم السلام، ولا يعنيه بعد ذلك هجوم الصفار وغيره، بل لو أن العالم بأجمعه تهجم على مواقفه، فإن ذلك لن يغير شيئًا من آرائه ومعتقداته وقيمه وأخلاقه النابعة من الإسلام العظيم، ومواصلة سيرة آل الشيرازي السابقة بالصمت على كل التجاوزات إذا كانت تستهدفهم، ورفض إصدار بيانات ضد أي أحد، إلا إذا كان الهجوم يستهدف الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام، فإن ذلك -حسب رأي المرجع الشيرازي- يستدعي الدفاع والتضحية بكل شيء من أجل الإسلام والتشيع.
وعلى العكس فإن الصفار يستنفر كل طاقته وقوته في الدفاع عن نفسه إذا ما انبرى شاب صغير بسيط وكتب مقالاً صحيحاً في حقه، أما إذا تعرض الإسلام أو مذهب أهل البيت عليهم السلام للهجوم فإنّ ذلك لا يعنيه، بل ربما –وكما شهدنا- يبادر في إصدار البيانات ضد من يقوم بواجب الدفاع عنه، وتراه لا يحرك ساكناً والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تشتم من قبل الدمشقية، ويصم أذنيه تجاه شتائم العريفي لآية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله، رغم زعمه أنه من مقلديه ومن وكلائه، ليكون رده هزيلاً ولايتناسب مع الحدث لأن ذلك لا يعنيه ويصب في صالح مشروعه وحزبه السياسي.


   نلقاكم إن شاء الله في الحلقة القادمة ، هذا وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين