لماذا الهجوم على الشيرازي؟ (1-10)
بعد قطيعة دامت ثمان سنوات لمرجعية آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، أعلن الشيخ حسن الصفار نهايتها عندما بادر
بإحياء الذكرى التاسعة لرحيل المجدد الشيرازي قدس سره، إلا أن هذه الرسالة والتي أتت على أكثر من صعيد، كانت مقدمة لمشروع سياسي أُريد للتيار الشيرازي الانخراط به.
وقد أتى الغزل الصفاري لمرجعية الشيرازي، بعد فشله في اختراق الساحة القطيفية العصية على التغيير لصالح الصفار والمصممة على البقاء في أحضان عمائم النجف الأشرف، دون إبداء قبول أو قناعة بالمتحول الجديد رغم محاولاته المستمرة وتنازلاته الدائمة وتودده طوال الوقت لزعامة من كان يصفهم يومًا بـ (العمائم الرجعية، وعملاء المخابرات الأمريكية) حتى مع سلوكه طريقا تقليديا واحتضانه بعض الطلبة وتخصيص مكافآت مجزية لهم.
لقد دفعه اليأس من اختراق المرجعية النجفية، لمغازلة أصدقاءه السابقين، ومحاولة الارتماء في أحضان الشيرازي من جديد بشعارات (مرحلية) كانت بدايتها الإعلان عن عقد المؤتمر الأول لما أُطلق عليه (جمع التيار الشيرازي) بمزرعة أبي فراس بصفوى ودعا له جمعًا من وكلاء السيد الشيرازي، وبعض الأتباع السابقين بمشاركة الصفار وتوفيق السيف وأعضاء مكتبه ومشروعه الجديد، وتم خلال المؤتمر الإعلان عن تأسيس حزب سياسي، ودعوة الوكلاء والمنتمين للمرجعية الشيرازية للمشاركة في تأسيسه، وتمويله، وتولي بعض مناصبه القيادية.
إلا أن الشيرازيين علقوا موافقتهم بالانتماء للحزب السياسي بموافقة مرجعيتهم حسب تكليفهم الشرعي، وهو ما استدعى قيام الصفار وبعضا من المؤيدين لمشروعه بزيارات مكوكية لبيت المرجعية بقم المقدسة لتوضيح أهداف الحزب ونشاطاته، وطمأنة المرجعية بأن الحزب سوف يكون تحت قيادتها، وخاضع لتوجيهاتها، تمهيداً لنيل الموافقة على تأسيسه، وتحمل أعبائه المالية، ومسؤولية الدفاع عن قراراته وأنشطته إذا ما تعرض للنقد أو الهجوم من التيارات الدينية الأخرى، أو الحكومة.
لكن المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، رفض تأييد المشروع ونصح وكلاءه وأتباعه وكل من قدم إلى قم والتقى به بهذا الخصوص ببذل جهوده وعلمه وطاقته في نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام، والابتعاد عن العمل السياسي البعيد عن النهج الإسلامي، والغارق في وحل الإجرام والخداع والتسقيط والكذب وتزييف الحقائق، وهي سمات الساسة والسياسة المعاصرة.
• لماذا رفض الشيرازي هذا الحزب؟
بنظرة تحليلية لتوجيهات المرجع الشيرازي لزواره ومن قصده للاستفهام عن موقفه تجاه تأسيس حزب سياسي في القطيف، ومن خلال مواقفه تجاه القضية العراقية – ما بعد صدام- يتضح:
1- إن نظرة السيد صادق الشيرازي حول ما يجري في المنطقة من أحداث سياسية والتي طالعنا بها في محاضراته وبياناته وتوجيهاته يشير إلى صياغة جديدة في التعاطي مع الحدث السياسي والمتغيرات الجارية على الساحة العربية والإسلامية، ويرى أن الزج بالمرجعية في أتون الصراعات السياسية بتأسيس الأحزاب وتبني مواقف سياسية تجاه أطراف وأحزاب وتكتلات سياسية أخرى باسم المرجعية لن يُحدث تغييراً جوهرياً في العمل السياسي يعود بالنفع على الإسلام والتشيع والشعوب في هذه المرحلة.
2- كما أن التجربة العراقية وصعود الأحزاب الإسلامية الشيعية إلى قمة الهرم السياسي واستلام زمام السلطة ودخول رجال الدين في العمل السياسي المباشر، عاد بنتائج سلبية وأساء إلى رجال الدين بعد انتماء بعض المعممين لأحزاب سياسية بعيدة عن الإسلام والتشيع، وتقديم مصلحة الحزب والمصالح الفئوية والشخصية على مصلحة الإسلام والتشيع، ودعوة بعض المعممين لتأسيس دولة علمانية في العراق، طرح عدة تساؤلات حول رجال الدين ودعواتهم المخالفة لتعاليم الإسلام ومبادئه.
3- ولو كان المرجع الشيرازي دام ظله، يؤمن بالعمل السياسي بمظلة دينية في هذه المرحلة، لكن ذلك بتأسيس حزب سياسي في العراق لقاعدته الجماهيرية العريضة التي ظهرت في تشييع آية الله السيد محمد رضا الشيرازي أعلى الله درجاته، إلا أنه يرى أن المرحلة غير مناسبة لإطلاق العمل السياسي بمظلة دينية في العراق أو غيره من الدول الإسلامية، كما أن تبني بعض القوى الدينية للعمل السياسي في العراق في الفترة السابقة لم يكن ناجحاً مما يذهب باتجاه صحة نظرية المرجع الشيرازي في هذه المرحلة.
4- لا أعتقد بأن المرجع الشيرازي يثق بالشيخ حسن الصفار، بل من الواضح إن سماحته ينظر إلى مشروع الصفار بعين الريبة بعد التجربة السابقة، وسيرته في السنوات الأخيرة المتناقضة في مواقفه من الأحداث السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وبين مواقف وآراء مرجعه سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله، ولا يمكن تفسير هذا التباين خصوصاً في الأمور الدينية إلا كون الصفار شخصاً يتبع مصلحته ويقدمها على كل مصلحة.
• فضل الله هو البديل:
بعد فشل الصفار في اختراق الساحة القطيفية ونبذ التيار النجفي له ولمشروعه، بدأ بالترويج لمرجعية السيد محمد حسين فضل الله المرفوضة من الحوزات الدينية، وقام بالترويج لأفكاره وأطروحاته في محاضراته وخطبه، وسخّر وسائله الإعلامية في هذا السبيل وعمل على طرح فضل الله والإشادة به وبنظرياته الثقافية ومشاريعه الدينية والاجتماعية.
وبسبب تبني حسن الصفار لإطروحات فضل الله، دخل في صراع مع النجفيين وبعضاً من علماء ومراجع قم المقدسة، بعد تأييده للمواقف المسيئة للشعائر الحسينية، والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، والترضي على ظالميها وتحريم لعنهم والتعرض لهم، وكل ذلك في سبيل أن يحظى بالرضا من السيد فضل الله، وينال تمثيله في المنطقة.
إلا أن موت فضل الله قد أفشل مشروع الانتقال إلى المرجعية الجديدة، وبات عليه الانتظار لحين معرفة المرجع الذي يجيز البقاء على تقليده، وهل تلبي هذه المرجعية تطلعاته، وفي هذه الأثناء ظل الصفار يدعو ويتبنى أطروحات فضل الله، وقام بنعيه على بعض القنوات الفضائية وطبع بعض الكتب والنشرات حول شخصيته وأنشطته، وظل يدعو إلى مرجعيته، إلا أن إجازة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، جواز البقاء على تقليد فضل الله، جاء مخيباً لآماله، لخلافاته القديمة التي أدت في حينها إلى شن السيد المدرسي هجوماً شرساً على الصفار وأتباعه، واعتبارهم عملاء ومتخاذلين، فوجد الصفار أن من الصعب إزالة الجليد وإعادة الدفء للعلاقات بعد قطيعة دامت أكثر من خمسة عشرة سنة تخللتها بعض المناوشات.
لقد وجد الصفار أن الارتماء في أحضان السيد علي الخامنئي وتبني نظرية ولاية الفقيه سوف يعود بالنفع الكبير على مشروعه السياسي، باعتبار أن السيد يتزعم إحدى أكبر دول المنطقة، وقادر على مد الصفار بالمال والتأييد، وتسخير إمبراطورية إيران الإعلامية لصالح إنجاح مشروعه، إلا أن هذا التوجه خُشي عليه من الحكومة السعودية لتصنيفها إيران ضمن قائمة الأعداء، ومنع أتباعها إقامة علاقات أو اتصالات مع إيران تحت أي عنوان.
فعاد الصفار مجدداً لخياره الأول، وبدأ بالإعداد للحزب السياسي –كما أسلفنا- وبعد عقد المؤتمر الثالث، وجد الصفار أن لا فائدة من متابعة العمل بعد رفض السيد الشيرازي تأييد الحزب والسماح لوكلائه بدعمه مالياً ومعنوياً، فكان قراره الهجوم على مرجعية الشيرازي، والاستفادة من مناسبة أسبوع الوحدة ليبدأ الهجوم.
• الهجوم على الشيرازي:
يعتقد الصفار أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مشروعه هم آل الشيرازي، وهو ما يفسر التطاول ولأول مرة من مكتب الصفار علنياً على مقام المرجعية الشيرازية في سابقة تُظهر الإفلاس والانكسار الذي وصل إليه، فبدأ الهجوم بخطة تولى إصدار البيانات المجهولة فيها الشيخ محمد الصفار، وتولى توفيق السيف الهجوم الإلكتروني عبر صفحات التواصل الاجتماعي والتويتر، واكتملت فصول المسرحية الهزلية بهجوم حسن الصفار على المرجعية الشيرازية في خطبة الجمعة دون أن يسميها، وانتهى الهجوم بعشرات المقالات ومئات التعليقات والتي جاءت جميعها تؤيد الهجوم لصناعة رأي عام ضد المرجعية الشيرازية بشعارات الوحدة الإسلامية ومحاربة التطرف.
ولا أعلم أيهما المتطرف، هل هو الذي يدعو إلى التمسك بمذهب أهل البيت عليهم السلام، ويعمل على إظهار أحقيته وسلامته، ويدعو إلى احترام عقول الطائفة الشيعية والمدافعة عن حقوقها، أم حسن الصفار الذي ذهب في تطرفه بمهاجمة منهجية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في التعرض للظالمين، وتبني آراء فضل الله، و حربه الشعواء على الشعائر الحسينية، والترضي على الظالمين وتحريم لعنهم في مخالفة صريحة للقرآن والرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، والسماح لشركائه –توفيق السيف- بالتقليل من شأن الإمام علي عليه السلام، والدعوة لمحاصرة تعاليم القرآن ونبذه، والدعوة لمعاونة ومناصرة طالبان الملطخة أيديهم بدماء المسلمين وغيرهم؟!
الحقيقة أن الشيخ حسن الصفار يرى أن من حقه مهاجمة الآخرين متى شاء وكيف شاء، ولا يحق للآخرين المعتدى عليهم الرد عليه ومهاجمته، ولذا لم يحتمل الصفار أن يهاجمه الشيخ الحبيب ويطلق عليه تسميته الشهيرة (سامري القطيف) في الوقت الذي سمح لنفسه أن يبدأ بالهجوم على عالم دين لا ينتمي إلى بلده ويعيش في دولة أجنبية، ويصدّر فيه البيانات وينعته بالمتطرف والمأزوم وغيرها من الألفاظ لأنه تلقى طلباً برسالة نصية من بعض التكفيريين الوهابية تأمره بشن هذا الهجوم، فمرّر الصفار الرسالة لجمع من علماء المنطقة وطالبهم بالامتثال لتنفيذ ما جاء فيها، وإصدار بيانات الشجب والاستنكار.
إن الصفار لم يتورع عن مهاجمة السيدة فاطمة الزهراء، وأم البنين، والإمام علي، وأهل البيت عليهم السلام، فليس غريباً أن يهاجم آل الشيرازي، ومن يعرف سيرته يعلم أن مهاجتمه للآخرين هو ديدنه مع كل من لا يرضخ لمشاريعه المشبوهة، أو يرفض الانخراط بها، فإما أن تكون معي، وإلا فأنت ضمن قائمة (محور الشر الصفارية).
• صمت المرجعية:
رغم الهجوم الواسع الذي يشنه الصفار على مرجعية الشيرازي ورموزها ومريديها، إلا أن الشيرازي لا يبدو مكترثاً لذلك، ويرى أن مواقفه نابعة من صميم الإسلام وإيمانه بالمبادئ والقيم الأخلاقية المستقاة من منهج أهل البيت عليهم السلام، ولا يعنيه بعد ذلك هجوم الصفار وغيره، بل لو أن العالم بأجمعه تهجم على مواقفه، فإن ذلك لن يغير شيئًا من آرائه ومعتقداته وقيمه وأخلاقه النابعة من الإسلام العظيم، ومواصلة سيرة آل الشيرازي السابقة بالصمت على كل التجاوزات إذا كانت تستهدفهم، ورفض إصدار بيانات ضد أي أحد، إلا إذا كان الهجوم يستهدف الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام، فإن ذلك -حسب رأي المرجع الشيرازي- يستدعي الدفاع والتضحية بكل شيء من أجل الإسلام والتشيع.
وعلى العكس فإن الصفار يستنفر كل طاقته وقوته في الدفاع عن نفسه إذا ما انبرى شاب صغير بسيط وكتب مقالاً صحيحاً في حقه، أما إذا تعرض الإسلام أو مذهب أهل البيت عليهم السلام للهجوم فإنّ ذلك لا يعنيه، بل ربما –وكما شهدنا- يبادر في إصدار البيانات ضد من يقوم بواجب الدفاع عنه، وتراه لا يحرك ساكناً والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تشتم من قبل الدمشقية، ويصم أذنيه تجاه شتائم العريفي لآية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله، رغم زعمه أنه من مقلديه ومن وكلائه، ليكون رده هزيلاً ولايتناسب مع الحدث لأن ذلك لا يعنيه ويصب في صالح مشروعه وحزبه السياسي.
نلقاكم إن شاء الله في الحلقة القادمة ، هذا وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
No comments:
Post a Comment