لماذا الهجوم على الشيرازي؟ (٢-١٠)
تعرضنا في المقال السابق لجملة من التكتيكات التي يتحرك الشيخ حسن الصفار في إطارها الخاص وغير المعلن، ونترك جملة أخرى نستعرضها مستقبلاً إن شاء الله.
عمل الشيخ الصفار على تهيئة كوادر وأقلام إعلامية تتموج بأفكاره في المجتمع بعد طرحه لفكرة ما في جلساته الخاصة أو خطبة الجمعة أو من خلال الصحافة، وهذا الأمر لم يتأتَ إلا عن طريق حرف قناعاتهم وإشباعهم إقناعاً وأفكار بديلة من تلك التي يؤمن بها وبالشخصيات التي يعتقد بالانفتاح عليها ممن شذت أفكارها وندرت وفي فضاء الانحراف ظهرت، أو ممن لم تكن بتلك الحصيلة الحوزوية العميقة التي تحول وتوجهات الصفار الفكرية الجديدة.
لا علينا الآن من المزامير الإعلامية للشيخ حسن الصفار وطريقة عملها، فلنا وقفة مستقبلية إزاء تعليبها للأفكار ورميها المجتمع بها وشل كل من يفند أو يقف أمام الشخص الداعي الأساس لها وهو الصفار نفسه.
كانت بداية ظهور أفكار الصفار الجديدة في العالم الشيعي وبشكل يستفز عقائد الناس وقناعاتها عبر مكاشفاته مع الصحفي السلفي عبدالعزيز القاسم ومجلة الجسور السلفية، وعبر جملة أخرى من اللقاءات والزيارات لشخصيات سلفية، في الحين الذي كان يتمتع بنفوذ اجتماعي جيد وعلاقات متميزة مع المسؤولين، وهذا ما جعله يشعر بعدم الحاجة للمجتمع الشيعي وأفكاره وقناعاته المذهبية.
كانت تلك الأفكار التي بدأ الشيخ حسن الصفار التبشير بها تحرج مرجعيته التي يرجع لها ظاهراً وهي مرجعية سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله، والتي اختارها ومهد لها قبل انتقال مرجعه السابق آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي رحمه الله، معتبراً مرجعيته شرنقة يجب الخروج منها. وكغيره من بعض المقلدين، تحول الصفار بعد رحيل السيد الشيرازي، إلى المدرسة النجفية بغية تشريع الأبواب التي ظلت مغلقة أمامه، والاستفادة من مكامن القوة الدينية لهذه المدرسة الممتدة على الساحة القطيفية، والموغلة في قرى الريف القطيفي بوجه خاص.
وقد أراد الشيخ الصفار بعد رحيل المجدد الشيرازي الثاني، النيل من مرجعية السيد صادق الشيرازي، وإيجاد التموجات والتحديات والجدليات والإثارات التي تشغل الساحة، في رهان على إنعاش التنافس التاريخي الشديد والمحموم بين المدارس والتيارات الشيعية، وإنزال حمى التعصب والاسطفافات الاجتماعية من جديد إلى الساحة القطيفية، واستغلال ذلك في إعادة تموضعه على خارطة التحالفات الدينية والاجتماعية، ورسالة تصدي واضحة لمشروع المرجعية العالمي باستراتيجية استيعاب وكلاء وكفاءات المرجعية الشيرازية وساحتها الاجتماعية.
إلا أن المستجدات على الساحة الشيعية والتموضعات التي فرضتها القوة الدينية الصاعدة في الجيل الأصغر سناً المتأثر بالموجة الإعلامية لانتصارات سياسية وعسكرية في مناطق مختلفة من العالم بقيادات دينية شيعية، قد فرضت موازين قوى دينية جديدة مع انكفاء القيادات الدينية التقليدية، وتماهي واضح لمن خلفهم في مشاريع كانت محرمة في السابق، مع حقيقة أن الكثير منها لم تندمج فكرياً وعقائدياً في الأدلجة السيادينية إلا بمقدار التأييد الإعلامي للهرب من وطأة الترهيب، أو لتحقيق بعض المكاسب.
وقد طغت نبرة المنتصر لمحاولة اختزال التنوع الشيعي الغني بمدارسه وتياراته في تيار واحد ومدرسة واحدة على خلفية سياسية، وأدى ذلك إلى حركة مراجعة واسعة على مستوى القوى والأطياف الفاعلة في الساحة، لتعيد تشكيل خطاب سياسي ومذهبي جديد يتواءم مع المتغيرات الإقليمية والعالمية، وهو ما جعل الباب مفتوحاً أمام الصفار للعزف على التناقضات وإشعال حمى الصراعات، مستغلاً التباين المرجعي بين التيارات المتصارعة، وقد نجح الصفار إلى حد ما في إثارة الشكوك حول نوايا المرجعية مستفيداً من ضعف التسيس لبعض الجهات الدينية وخطابها الذي لا يتناغم مع أطروحاته.
وفي هذه الأجواء العاصفة، دشن الصفار مشروعه الانفتاحي على السلفية التكفيرية بشعارات التقريب والتعايش والوحدة الإسلامية، وهو غزل جاء متناغماً مع القوة السياسية الشيعية الصاعدة على الساحة الإقليمية، وقبول رسمي في الساحة المحلية وقد ساهم ذلك في تنصيب الصفار نفسه زعيماً معتدلاً لشيعة المنطقة، أو شيعة السعودية على أقل تقدير. وراهن على لعب دور أكبر بعد مشاركته الرسمية في الحوار الوطني، ومؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية، وانفتاحه على القيادات الدينية الوهابية، ورموزها الثقافية والإعلامية.
الشعائر الإسلامية الشيعية
لقد تجاوز الشيعة المراحل الأصعب من سنوات الضعف والتهميش وهم الآن يتمتعون بموقعية أفضل على أكثر من صعيد كقوى ذات ثقل سياسي واقتصادي وثقافي. وكونهم تجاوزوا مرحلة الدفاع عن عقائدهم وشعائرهم، بالإضافة إلى كونهم يحملون رسالة للآخرين. إلا أن هذا الإنجازالمهم، لم يلقَ صداً لدى الصفار، ولم يوظفه في علاقته مع السلفية التكفيرية كما ينبغي، بل على النقيض من ذلك، قدم الصفار تنازلات على صعيد العقائد في تجاوز خطير على أصول وفروع العقيدة الإسلامية الشيعية، ونصب نفسه مرجعاً يحرم ويحلل على الفضائيات، ويصدر بيانات الطعن في الشعائر الإسلامية، مع بعض المعممين المتماهين معه في مشروع الانفتاح، تحت شعارات الوحدة، والتقارب، والتعايش، والمواطنة. (انظر لبعض الوثائق المرفقة).
القضية العراقية
انتعشت آمال الشيعة من جديد بعد طول انتظار بسقوط نظام الطاغية صدام، كون الشيعة في العراق يمثلون الأغلبية، وفي بلد عربي عريق، ويمثل ثقلاً دينياً وسياسياً واقتصادياً. فقد أماط سقوط صدام اللثام عن القوة الشيعية في العمق العربي بعد أن كانت مقموعة ومهمشة ومتجاهلة على المستوى الإسلامي، ومن المنتظر أن تلعب دوراً محورياً ومهماً على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، رغم المخططات المعادية، والعراقيل الكثيرة، والمؤامرات المختلفة التي تعمل على إفشال صعود الأغلبية في إدارة البلاد وما يمثله ذلك من إعادة تركيب الخارطة السياسية والمذهبية في منطقة من أهم المناطق كونها تمثل مصدراً استراتيجياً للطائفة الشيعية، وتمثل ثقلاً حضارياً متميزاً، ويظهر لكل مراقب الدور الذي لعبته السعودية والمؤسسة الدينية السلفية في إذكاء الطائفية وممارسة الانتهاكات تجاه المقدسات الإسلامية الشيعية، وحقوق الإنسان بالتهجير والتفجير والقتل اليومي واستمرار شلال الدماء لإفشال هذا النهوض.
ورغم هذا الهجوم الدموي الطائفي الوهابي البغيض الساعي لإفشال النهوض الشيعي في العراق، لم يتوانَ الصفار في مد جسور الانفتاح والتواصل مع السلفية التكفيرية، وتقديم التنازلات تلو التنازلات دون أن ينبس ببنت شفة تجاه ما يحدث في العراق من انتهاكات يومية لحقوق الإنسان، وإشعال الحرب الطائفية بتمويل وفتاوى وإرهابيين من السلفية التكفيرية. ومع كل الفظائع التي كانت ترتكب بحق المسلمين الشيعة، ظلت قنوات التواصل بين الصفار والسلفية التكفيرية مستمرة، ولم تشهد العلاقات الحميمة بينهما توتراً جراء ما يحدث، اللهم إلا من بعض التصريحات والبيانات الهزيلة من الصفار، لذر الرماد في العيون، أما تبادل اللقاءات والتنسيق وإقامة المآدب فقائمة على قدم وساق.
لقد أزعجت هذه المواقف المشينة ضد الشيعة وقضاياهم وشعائرهم، بما في ذلك اللقاءات التلفزيونية والصحفية، مقلدي السيد السيستاني ووكلاءه، كون الصفار يرجع إليه ويستشهد به كثيراً في تلك الفترة، فتوالت الاتصالات والرسائل على مكتب المرجعية في النجف الأشرف وقم المقدسة، حتى صار وكيل المرجع السيستاني وصهره في قم المقدسة سماحة السيد جواد الشهرستاني ناقلاً للعديد من الرسائل التي تدعو الصفار لعدم إيقاع المرجعية المحافظة في شرك أفكاره عبر عدد من وكلاء المرجع السيستاني وبعض المقربين من الصفار من أصدقائه.كما أصبحت أفكاره التي يستند فيها لقراءات ناقصة مثار جدل بين علماء حوزتي النجف وقم ما تسببت في حاجته لوجود خطة أخرى لتمرير الأفكار بدل إلصاق اسم السيد السيستاني أو العلماء المتعمقين في المسائل العقائدية الذين تفضح آراؤهم توجهاته.
ولهذا لم يكن للصفار من بد إلا عبر إلماع شخصيات بديلة تتشكل حسب رغباته وتصبح اسماً يستند عليها في الاستشهاد بمتبنياته الفكرية لإقناع المجتمع أن هذه الأفكار محترمة ويقول بها غيره ولكن لن يكون ذلك أمراً سلساً في ظل وجود أتباع من حوله لازالوا مرتبطين فكراً بل وتقليداً بمرجعيات وشخصيات تزعج الصفار وتقف أمام طوفان أفكاره.
اليعقوبي هو البديل
بعد فشل مشروع الصفار في الارتباط بالسيد محمد حسين فضل الله وتبني نشر بعض كتبه وأفكاره، ذلك الفشل الذي كان سببه موت فضل الله -كما أشرنا في المقال السابق- أصبح من الضروري التهيئة لجهات عديدة تتشكل بحسب قناعات الصفار، فعمل على إيجاد بدائل بل كما عمل في حياة السيد محمد الشيرازي رحمه الله، من إعداد نفسه ومن حوله لمرجعية جديدة تخرجه من الحدود التي تؤطر عمله، فها هو يعمل ذات الأمر في البحث وإيجاد مرجعية بديلة مناسبة لأهوائه اللامنتهية في حال رحل سماحة السيد السيستاني أطال الله بقاءه.
وبما أن الصفار لا يتفق مع مسار المرجعيات النجفية الثلاث التي بالطبع ستكون إحداها المرجعية العليا وذمه لبعض مرجعيات النجف في جلساته ومع مريديه، وقع التفاوض على الشخصية المنبوذة في أوساط حوزة النجف لما تحمل من إشكالات أخلاقية وفقهية وتهجّم على مراجع النجف الأربعة ومراجع قم وهي الشخصية الأكاديمية خريج كلية الهندسة المدنية بجامعة بغداد عام 1982م المهندس "الشيخ" محمد اليعقوبي.
كانت تحركات الصفار في طرح اليعقوبي حذرة جداً، ولكن الأخير فضح الصفار عندما نشر في موقعه الرسمي أنه تلقى اتصال تأييد من الصفار يشكره على مواقفه من الشعائر الحسينية، إذ كان في ذلك الحين قد أفتى بحرمة خروج النساء لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، وليس غريباً ذلك الاتصال فمعروف عن الصفار صلافته ومواقفه المتشنجة من الشعائر الحسينية. وقد جاء الخبر في موقع اليعقوبي كالتالي:
لم يكتفِ الصفار بذلك بل صار في جلساته يتحدث عن اليعقوبي ويصفه بالمرجع الحضاري، يبدو أنه وجده فعلاً الرجل المناسب لميوله الفكرية، و(الشماعة) الأكثر استعداداً لتحمل تبعات مشاريعه وأطروحاته المشبوهة، فأرسل له أخيه الشيخ محمد الصفار للجلوس معه في النجف الأشرف في زيارة غير معلنة استمرت لقرابة الساعتين، كما أنه تم الإيعاز لإحدى المؤسسات الدينية القريبة من الصفار بترتيب وضع بعثة الحج لليعقوبي واستئجار مبنى مناسب، ويعكف مكتبه حاليا ًعلى طباعة رسالة اليعقوبي العملية تمهيداً لحملة التبشير بالمرجعية القادمة.
ولا أدري كيف يجمع الشيخ الصفار بين الترويج لليعقوبي الذي وصف المرجع السيستاني بـ " فرعون هذه الأمة " في تسجيل مرئي له انتشر في الآفاق، وبين التدثر بعباءة السيستاني على القنوات الفضائية والمنابر والصحف ؟!
لكن من يعرف طبيعة الشيخ البرغماتية المتلونة والخالية من المبادىء لايستغرب هذا اللعب على المتناقضات !
ولا أدري كيف يجمع الشيخ الصفار بين الترويج لليعقوبي الذي وصف المرجع السيستاني بـ " فرعون هذه الأمة " في تسجيل مرئي له انتشر في الآفاق، وبين التدثر بعباءة السيستاني على القنوات الفضائية والمنابر والصحف ؟!
لكن من يعرف طبيعة الشيخ البرغماتية المتلونة والخالية من المبادىء لايستغرب هذا اللعب على المتناقضات !
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)

No comments:
Post a Comment